كما قررت المادة (30) بأن يصدر قرار لجنة الفصل في تنازع الاختصاص بالأغلبية، ويكون غير قابل للاعتراض. ومما سبق يتضح أن التنظيم الذي وضعه نظام القضاء بشأن حسم تنازع الاختصاص القضائي مقصور على التنازع الذي ينشأ بين إحدى المحاكم الخاضعة لنظام القضاء (أي المحاكم التي تشرف عليها إدارياً وزارة العدل) وإحدى محاكم ديوان المظالم أو أي جهة أخرى تختص بالفصل في بعض المنازعات، فإذا كان التنازع واقعاً بين هيئات قضائية أخرى لا تخضع لنظام القضاء فإنه لا يمكن تطبيق قواعد حسم مسألة التنازع المنصوص عليها في نظام القضاء. ولذلك ولما كان التنازع السلبي بشأن الاختصاص الولائي في قضية شركة المصافي وشركة المجموعة السعودية للاستثمار الصناعي قائماً بين ديوان المظالم ولجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، وهما جهتان لا تخضعان لنظام القضاء فقد كان امتناع المجلس الأعلى للقضاء عن الفصل في هذا التنازع تصرفاً يتفق وأحكام نظام القضاء. ومن جهة أخرى، فإنه تجدر الإشارة إلى أن نظام ديوان المظالم الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/78 وتاريخ 19/9/1428هـ وضع تنظيماً خاصاً لحل تنازع الاختصاص الذي قد ينشأ بين إحدى محاكم ديوان المظالم وجهة أخرى، حيث قررت المادة (15) من النظام المذكور بأنه (مع عدم الإخلال بما ورد في المادة السابعة والعشرين من نظام القضاء، إذ رفعت دعوى عن موضوع واحد أمام إحدى محاكم الديوان وأمام أي جهة أخرى، تختص بالفصل في بعض المنازعات ولم تتخل إحداهما عن نظرها أو تخلتا كلتاهما، فيرفع طلب تعيين الجهة المختصة إلى لجنة الفصل في تنازع الاختصاص التي تؤلف من ثلاثة أعضاء: عضو من المحكمة الإدارية العليا يختاره رئيس المحكمة، وعضو من الجهة الأخرى يختاره رئيس الجهة، وعضو من مجلس القضاء الإداري يختاره رئيس المجلس ويكون رئيساً لهذه اللجنة، كما تختص هذه اللجنة بالفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من محاكم الديوان والآخر من الجهة الأخرى، وتفصل في هذه الدعاوى وفقاُ للأحكام والإجراءات الواردة في نظام القضاء).
وربما مثال بريطانيا أنسب مثال لنا؛ حيث لا تتمتع المحكمة الأعلى هناك بصلاحية نقض أو إلغاء القوانين، وإنما فقط تعلن عدم توافق القانون مع غيره مثلا declaration of incompatibility، وبالتالي يقوم البرلمان بدراسة الموضوع ومعالجته. أعود لوضعنا نحن؛ حيث هناك ما يسمى بـ "لجنة الفصل في تنازع الاختصاص"، وهي لجنة تابعة للمجلس الأعلى للقضاء، نص عليها نظام القضاء في المادة 27، وهي تفصل في تنازع الاختصاص بين كل من القضاء العام والقضاء الإداري واللجان شبه القضائية، إلا أنها في الوقت نفسه تابعة لجهة هي من بين تلك الجهات التي تتنازع الاختصاص أحيانا، والأولى أن تكون تلك اللجنة في رتبة محكمة مستقلة ومرتبطة بالملك شخصيا، مع توسيع صلاحياتها وتطويرها لتنظر في قضايا أخرى سأشير إليها ومدى الحاجة لها هنا. كما أن نظام القضاء لم يحدد آلية الترافع أمامها بشكل مفصل. تحصل أحيانا أخطاء في تفسير بعض الأنظمة من قبل الجهات الحكومية، من خلال اللوائح التنفيذية التي تضعها تلك الجهات نفسها، أو من خلال الممارسات التي تقوم بها تلك الجهات من خلال فهمها للنظام أو الأوامر الملكية، وفي هذه الحالة؛ فإن البلد يحتاج إلى جهة تجمع التأهيل والخبرة التراكمية في مثل هذه القضايا لتكون هي المرجع الذي يفصل في التفسير، ويكون من اختصاصها مراجعة اللوائح، والقرارات الوزارية ذات الشأن التشريعي، ومدى توافقها أو تعارضها مع نصوص الأوامر الملكية والأنظمة، ما يساعد حتى الجهات الحكومية على أداء عملها بشكل مركز، ويحفظ للناس حقوقها، إضافة إلى الفصل في الخلاف بعدم نظامية لائحة أو أوامر وزارية ذات صفة تشريعية "وذلك في غير القضايا التي تكون أمام المحاكم" وهكذا.
فلو كانت المنازَعة العقارية بين مصري على سعوديٍ مقيم في السعودية، ومحل النزاع مطالبة بتسلم عقارٍ في مصر، فإنَّ الاختصاص القضائي في هذه الصورة يكون للمحاكم المصرية؛ باعتبارها محل العقار المتنازَع عليه، ولا يُنظر في هذه الحالة إلى بلدِ المدعى عليه. 3) وفي المادَّة الثامنة والعشرين من هذه الاتفاقية تعتبر محاكم البلد الذي صدر فيه الحكمُ مختصَّة في حالات، منها: أ- إذا كان موطن المدعى عليه أو محل إقامته وقت النظَر في الدعوى في إقليم ذلك البلد. ب- إذا كان للمدعى عليه وقت النظر في الدعوى محل أو فرع ذو صبغة تجارية أو صناعية أو غير ذلك في إقليم هذا البلد، وكانتْ قد أُقيمتْ عليه الدعوى لنزاعٍ متعلِّقٍ بممارسة نشاط هذا المحل أو الفرع. ج- في حالات المسؤولية غير العقديَّة، إذا كان الفعل المستوجب للمسؤولية قد وقع في إقليم البلد، كما لو كان النزاع متعلِّقًا بطلب جناية حصلتْ في البلد. د- إذا كان المدعى عليه قد قَبِل الخضوع صراحةً لاختصاص محاكم ذلك البلد متى كان نظام ذلك الطرف لا يمنع مثل هذا الاتِّفاق. كانتْ هذه نتفًا يسيرة حول مبادئ الاختصاص القضائي الدولي، وفي الحلقة القادمة - بإذن الله تعالى - أعرض لكم مستمعي الأفاضل أهم ما ورد في نظام المرافعات الشرعيَّة السعودي حول الاختصاص القضائي الدولي في الدعاوى التي تُقدم لمحاكم المملكة العربية السعوديَّة.